شبه الدكتور عبدالله المسند، أستاذ الجغرافيا بجامعة القصيم، حال وزارة المياه بالمملكة مع المزارع التجارية من جهة، والمواطن من جهة أخرى، بقصة رمزية لرجل جشع في المطعم يأكل الأرز من الصحن بكلتا يديه طول اليوم مجانًا، فسقطت منه حبّة رز؛ فالتقطتها نملة، فسارع المطعم بتسجيل فاتورة عالية على النملة.

وقال الدكتور المسند، إن هذه القصة تُجسّد بيع الماء على المواطن (أبونصف بوصة)، وترك المزارع التجارية ذات العشرات، بل مئات، من الآبار تستهلك المياه الجوفية مجاناً منذ نحو 40 سنة.

وأضاف: “كي نتصور حجم المشكلة دعونا نضرب مثالًا واقعيًّا بمزرعة صغيرة معلومة تمتلك بئرًا واحدًا بحجم 6 بوصة فقط، ومتوسط إنتاج البئر من المياه نحو 1750 لترًا في الدقيقة، أي ما يعادل 2.5 مليون لتر في اليوم، ولأن المزرعة تزرع أعلافًا -كما هو حال معظم المزارع- فهو يروي محصوله 24 ساعة في 7 أيام في 365 يومًا في السنة، أي بما يعادل 900 مليون لتر من المياه الجوفية المجانية سنويًّا.

1031675-1

أوضح المسند أنه من المعلوم أن متوسط استهلاك الفرد السعودي من المياه يبلغ نحو 240 لترًا في اليوم، وبعبارة أخرى، فإن المزرعة السالفة الذكر تستنزف من المياه في الدقيقة الواحدة (فقط)، ما يكفي عائلة كبيرة تتكون من 7 أشخاص ليوم كامل.

وأضاف أن ما يستنزف في ساعة واحدة فقط يكفي 437 شخصًا ليوم كامل، ما يعادل 90 عائلة ذات حجم متوسط. مشيرًا إلى أن المزرعة تستنزف من المياه الجوفية في يوم واحد فقط ما يكفي 10500 شخص ليوم كامل، وهو رقم يضارع سكان بلدة صغيرة، أو ما يعادل 2100 أسرة ذات حجم متوسط.

وتابع المسند: “تستنزف المزرعة في شهر واحد فقط ما يكفي 315 ألف شخص ليوم كامل، بما يعادل 63 ألف أسرة متوسطة الحجم، في حين تستنزف المزرعة الصغيرة اليتيمة ذات البئر الواحد في سنة واحدة من المياه الجوفية المجانية ما يكفي 3.8 مليون شخص ليوم كامل، أي تكفي مدينة مليونية بحجم مدينة جدة”.

واستطرد: “بعبارة أخرى، مزرعة تجارية فيها 365 بئرًا تستهلك من المياه في اليوم الواحد ما يستهلكه سكان جدة ليوم كامل، وهل بعد هذا يُطالب المواطن بالدفع مقابل الماء، بينما المزارع التجارية تسرح وتمرح وتبربس بالمجان؟!”

وأشار المسند إلى أن العدادات في المنازل، بينما تُترك المزارع التجارية عمدًا لتستنزف المياه دون ضوابط أو مراقبة أو مساءلة. مضيفًا: “بأي قانون أنتم تعملون؟ وبأي دستور تقتدون؟ وبأي شريعة تهتدون؟ وبأي منطق تفكرون؟ وبأي معادلة رياضية تحسبون؟”.

وتابع الأستاذ المشارك في قسم الجغرافيا بجامعة القصيم: “مزرعة يتيمة وصغيرة واحدة تستهلك يومياً ما يستهلكه 10500 شخص في يوم، فما بالك بآلاف المزارع؟ قامت السموات والأرض على العدل، ومن العدل أن تُحاسب المزارع قبل المنازل إن كنتم للعدل ترومون، وعلى المياه الجوفية تحافظون، وللوطن تحبون، إني لكم من الناصحين”.

وأكّد المسند على أنه ليس ضد وضع تعريفة على الماء للاستهلاك المنزلي، شريطة أن يتم البدء بالمزارع أولًا، وأن يُحدد معدل الاستهلاك اليومي الطبيعي للفرد بشكل علمي دقيق؛ ثم تُعطى كل أسرة حقها من اللترات اليومية. بحسب عددهم مجانًا، على أن يعامل من يتجاوز هذه الكمية باعتباره مسرفًا، وعليه يدخل في تعريفة عالية جدًّا تردعه عن تجاوز الحد الطبيعي.

وطالب أستاذ الجغرافيا بإعداد عدادات ذكية، تبرمج وفقًا لعدد أفراد الأسرة، لاسيما وأن التعريفة الجديدة للمياه لا تُفرق بين أسرة تتكون من 10 أشخاص، وأسرة تتكون من 3 أشخاص -على سبيل المثال- حيث ستقفز الأُسر الكبيرة منطقيًّا إلى الشرائح المرتفعة، لا لكونها مُبذرة ومُسرفة؛ ولكن لارتفاع عدد أفرادها.